تظهر المعطيات الراهنة، التي تسود العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وجنوب لبنان، أن تل أبيب تعيش في معضلة حقيقية، تحول دون قدرتها على الذهاب إلى تصعيد كبير، لكنها في المقابل تمنعها من الذهاب إلى وقف الحرب من خلال المفاوضات الدبلوماسية، وهو ما يرجح إستمرار الأوضاع على ما هي عليه اليوم على مختلف الجبهات، بغض النظر عن الضغوطات التي تفرض على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.

إنطلاقاً من ذلك، تقرأ مصادر متابعة، عبر "النشرة"، التوتر الذي يطغى على علاقة تل أبيب مع واشنطن، حيث بات من الواضح أنّ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تعتبر أن وقف الحرب مصلحة أساسية لها، إنطلاقاً من حساباتها الإنتخابية المرتبطة بالإستحقاق الرئاسي في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الضرر الذي يلحق بمصالحها في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يدفعها إلى زيادة الضغوط على الحكومة الإسرائيليّة، بهدف دفعها إلى الموافقة على وقف إطلاق النار.

في المقابل، تلفت هذه المصادر إلى أن نتانياهو عاجز عن التماهي مع المطالب الأميركية، وهو ما قاده في الأيام الماضية إلى الردّ، في أكثر من مناسبة، على بايدن، رافضاً الضغوط التي تمارس عليه، خصوصاً لناحية وقف بعض شحنات الأسلحة الأميركية، فبالنسبة إلى تل أبيب أي تراجع اليوم، أمام مطالب حركة "حماس"، سيتمثل تكريساً للمعادلة التي فرضتها الحركة بعد عملية "طوفان الأقصى"، في السابع من تشرين الأول الماضي، بينما المطلوب كسر هذه المعادلة، بسبب التداعيات الإستراتيجية التي ترتبت عليها.

بالنسبة إلى المصادر نفسها، فهم الموقف الإسرائيلي الحالي لا يمكن أن يكون إلا من خلال العودة إلى تلك المعادلة، التي شعرت فيها تل أبيب أنها لم تعد المكان الآمن لسكانها، وبالتالي إقناعهم بالبقاء أو دفع آخرين إلى الهجرة إليها، لا يمكن أن ينجح في ظلّ إستمرار ما تعتبره تهديداً وجودياً، من دون تجاهل التداعيات التي ستفرض نفسها على القيادتين السياسية والعسكرية الحالية، ولذلك هي تراجعت عن الموافقة على إقتراح الهدنة مع "حماس"، عندما وافقت الأخيرة، ولا تدفعها الضغوط الأميركية إلى تقديم أي تنازلات.

في هذا السياق، ترى المصادر المتابعة أنّ هذا لا يعني أنّ إسرائيل ستكون في وارد الذهاب إلى تصعيد كبير، كفتح معركة رفح بشكل كامل على سبيل المثال، بسبب التداعيات التي قد تترتب على ذلك، بالإضافة إلى حجم الخسائر التي قد تلحق بالجيش الإسرائيلي، خصوصاً أن "حماس" أثبتت أنها لا تزال تملك القدرة على القتال، وهي حرصت على تأكيد ذلك، عند الإعلان عن العمليات المتعلقة بشرق المدينة.

ما ينطبق على غزة، من وجهة نظر المصادر نفسها، ينسحب أيضاً على الجبهة الجنوبية، حيث تستمر تل أبيب في إطلاق التهديدات بعملية عسكرية ضد "حزب الله"، لكنها في المقابل تدرك أنها لا تملك القدرة على ذلك، بسبب التوازن العسكري الذي يفرض نفسه على هذه الجبهة، فهي حتى ولو كانت تملك قوة على التدمير لا جرأة لديها على ذلك، بسبب التداعيات التي ستترتب على ذلك، إلا أنّها في المقابل لا يمكن أن تتجاهل الواقع الذي فرضه الحزب بالنسبة إلى المستوطنات الشمالية وسكانها.

في المحصّلة، تعود هذه المصادر هنا إلى المعادلة نفسها، أيّ عدم قدرة إسرائيل على وقف الحرب، نظراً إلى أنّ القرار مرتبط بموقف "حزب الله"، الذي يرفض الفصل بين جبهة الجنوب وجبهة قطاع غزة، كما أنها غير قادرة على الذهاب إلى تصعيد كبير، بسبب النتائج التي ستفرزها، بالإضافة إلى غياب الدعم الدولي لمثل هذه الخطوة، ما يقودها إلى الإستمرار في العمل ضمن معادلة التصعيد المضبوط الذي لا يقود إلى المواجهة المفتوحة.